القصه العاشره
يعقوب عليه السلام
نبي من أنبياء
الله-عز وجل-، اصطفاه الله، فهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم -عليهم السلام-،
بشرت الملائكة به إبراهيم -عليه السلام- زوجته سارة،
قال تعالى:
(فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق
يعقوب)
[هود: 71].
ولد يعقوب -عليه السلام- محاطًا بعناية الله ورحمته، سائرًا على منهج
آبائه، وكان ليعقوب اثنا عشر ولدًا سمَّاهم القرآن الكريم بالأسباط، وكان أجلهم قدرًا، وأنقاهم قلبًا،
وأسلمهم صدرًا، وأزكاهم نفسًا، وأصغرهم سنًا، يوسف -عليه السلام-، لذا كان
يعقوب -عليه السلام- يحوطه بمزيد من العناية والحنان وهذا شيء طبيعي، فالأب
يحنو على الصغير حتى يكبر، وعلى المريض حتى يبرأ.
وكان يعقوب
-عليه السلام- مثالاً يحتذى للأب الذي يقوم بتربية أولاده على الفضيلة،
فيقوم بأمرهم، ويسدي لهم النصح، ويحل مشاكلهم، إلا أن الشيطان زين للأبناء
قتل أخيهم يوسف لما رأوا من حب أبيهم له، لكنهم بعد ذلك رجعوا عن رأيهم من
القتل إلى الإلقاء في بئر بعيدة، لتأخذه إحدى القوافل المارة، وحزن يعقوب
على فراق يوسف حزنًا شديدًا، وأصابه العمى من شدة الحزن، ثم ردَّ الله إليه
بصره، وجمع بينه وبين ولده.
وبعد فترة من الزمن مرض يعقوب-عليه السلام- مرض الموت، فجمع أبناءه وأخذ
يوصيهم بالتمسك بالإيمان بالله الواحد وبعمل الصالحات،
قال تعالى:
(أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت
إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم
وإسماعيل وإسحاق إلها واحدًا ونحن له مسلمون)
[البقرة: 133].
القصه الحاديه عشر
يوسف عليه السلام
[center]في ليلة من الليالي رأى يوسف -عليه السلام- وهو
نائم رؤيا عجيبة، فقد رأى أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر يسجدون له فلما
استيقظ، ذهب إلى أبيه يعقوب -عليه السلام- في هذه الرؤيا. فعرف أن ابنه
سيكون له شأن عظيم، فحذره من أن يخبر إخوته برؤياه، فيفسد الشيطان قلوبهم،
ويجعلهم يحسدونه على ما آتاه الله من فضله، فلم يقص رؤيته على أحد.
وكان يعقوب يحب يوسف حبًّا كبيرًا، ويعطف عليه
ويداعبه، مما جعل إخوته يحسدونه، ويحقدون عليه، فاجتمعوا جميعا ليدبروا له
مؤامرة تبعده عن أبيه.
فاقترح أحدهم أن يقتلوا
يوسف أو يلقوه في أرض بعيدة، فيخلو لهم أبوهم، وبعد ذلك يتوبون إلى الله،
ولكن واحدًا آخر منهم رفض قتل يوسف، واقترح عليهم أن يلقوه في بئر بعيدة،
فيعثر عليه بعض السائرين في الطريق، ويأخذونه ويبيعونه.
ولقيت
هذه الفكرة استحسانًا وقبولاً، واستقر رأيهم على نفيه وإبعاده، وأخذوا
يتشاورون في تدبير الحيلة التي يمكن من خلالها أخذ يوسف وتنفيذ ما اتفقوا
عليه، ففكروا قليلا، ثم ذهبوا إلى أبيهم
وقالوا
له:
(يا أبانا ما لك لا
تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون)
[يوسف:
11].
فأجابهم يعقوب -عليه السلام- أنه لا يقدر على فراقه ساعة
واحدة،
وقال لهم:
(أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه
غافلون)
[يوسف: 13]
فقالوا:
(لئن أكله الذئب
ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون)
[يوسف:14].
وفي الصباح، خرج الأبناء
جميعًا ومعهم يوسف -عليه السلام- إلى الصحراء، ليرعوا أغنامهم، وما إن
ابتعدوا به عن أبيهم حتى تهيأت لهم الفرصة لتنفيذ اتفاقهم، فساروا حتى
وصلوا إلى البئر، وخلعوا ملابسه ثم ألقوه فيها، وشعر يوسف بالخوف، والفزع،
لكن الله كان معه، حيث أوحى إليه ألا تخاف ولا تجزع فإنك ناج مما دبروا لك.
وبعد أن نفذ إخوة يوسف
مؤامرتهم، جلسوا يفكرون فيما سيقولون لأبيهم عندما يسألهم، فاتفقوا على أن
يقولوا لأبيهم إن الذئب قد أكله، واخلعوا يوسف قميصه، وذبحوا شاة، ولطخوا
بدمها قميص يوسف.
وفي الليل، عادوا إلى أبيهم، ولما دخلوا عليه بكوا بشدة، فنظر
يعقوب إليهم ولم يجد فيهم يوسف معهم، لكنهم أخبروه أنهم ذهبوا ليتسابقوا،
وتركوا يوسف ليحرس متاعهم، فجاء الذئب وأكله، ثم أخرجوا قميصه ملطخًا
بالدماء، ليكون دليلا لهم على صدقهم.
فرأى يعقوب -عليه السلام- القميص سليمًا، حيث
نسوا أن يمزقوه،
فقال لهم:
عجبًا لهذا الذئب كان
رحيمًا بيوسف أكله دون أن يقطع ملابسه.
ثم قال لهم
مبينًا
كذبهم: (بل سولت لكم أنفسكم أمرًا فصبرٌ
جميل والله المستعان على ما تصفون)
[يوسف: 18].
أما يوسف فكان لا يزال
حبيسًا في البئر ينتظر الفرج والنجاة، وبينما هو كذلك، مرت عليه قافلة
متجهة إلى مصر، فأرادوا أن يتزودوا من الماء، فأرسلوا أحدهم إلى البئر
ليأتيهم بالماء، فلما ألقى دلوه تعلق به يوسف، فنظر في البئر فوجد غلامًا
جميلاً يمسك به، ففرح الرجل ونادى رجال القافلة، فأخرجوا يوسف، وأخذوه معهم
إلى مصر ليبيعوه.
وكان عزيز مصر في هذا اليوم يتجول في السوق، ليشتري غلامًا
له؛ لأنه لم يكن له أولاد، فوجد هؤلاء الناس يعرضون يوسف للبيع، فذهب
إليهم، واشتراه منهم بعدة دراهم قليلة.
ورجع عزيز مصر إلى زوجته، وهو سعيد بالطفل
الذي اشتراه، وطلب من زوجته أن تكرم هذا الغلام، وتحسن معاملته، فربما
نفعهما أو اتخذاه ولدًا لهما، وهكذا مكن الله ليوسف في الأرض فأصبح محاطًا
بعطف العزيز ورعايته.
ومرت السنون، وكبر يوسف، وأصبح شابًا قويًّا،
رائع الحسن، وكانت امرأة العزيز تراقب يوسف يومًا بعد يوم، وازداد إعجابها
به لحظة بعد أخرى، فبدأت تظهر له هذا الحب بطريق الإشارة والتعريض، لكن
يوسف -عليه السلام- كان يعرض عنها، ويتغافل عن أفعالها، فأخذت المرأة تفكر
كيف تغري يوسف بها.
وذات يوم، انتهزت فرصة غياب زوجها عن القصر،
فتعطرت وتزينت، ولبست أحسن الثياب، وغلقت الأبواب ودعت يوسف حتى أدخلته
حجرتها، وطلبت منه أن يفعل معها الفاحشة.
لكن يوسف بعفته وطهارته امتنع عما أرادت، ورد
عليها ردًّا بليغًا حيث
قال:
(معاذ الله إنه ربي
أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون)
[يوسف: 23].
ثم أسرع يوسف -عليه السلام-
ناحية الباب يريد الخروج من المكان، لكن امرأة العزيز لم تدع الفرصة
تفوتها، فجرت خلفه، لتمنعه من الخروج، وأمسكت بقميصه فتمزق.
وفجأة، حضر زوجها
العزيز، وتأزم الموقف، وزاد الحرج، لكن امرأة العزيز تخلصت من حرج موقفها
أمام زوجها، فاتهمت يوسف بالخيانة ومحاولة الاعتداء عليها،
وقالت لزوجها:
(ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا إلا أن يسجن أو عذاب أليم)
[يوسف: 25].
وأمام هذا الاتهام، كان
على يوسف أن يدافع عن نفسه،
فقال:
(هي راودتني عن
نفسي)
[يوسف: 26].
فاحتكم الزوج إلى رجل من أهل المرأة، فقال
الرجل من غير تردد
انظروا:
(إن كان قميصه قد من
قبل فصدقت وهو من الكاذبين. وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من
الصادقين)
[يوسف: 26-27].
فالتفت الزوج إلى امرأته،
وقال لها:
(إنه من كيدكم إن كيدكن عظيم)
[يوسف: 28]
، ثم طلب العزيز من
يوسف أن يهمل هذا الموضوع، ولا يتحدث به أمام أحد، ثم طلب من زوجته أن
تستغفر من ذنبها وخطيئتها.
واتفق الجميع على أن يظل هذا الفعل سرًّا لا
يعرفه أحد، ومع ذلك فقد شاع خبر مراودة امرأة العزيز ليوسف، وطلبها
للفاحشة، وانتشر في القصر وتحدث نساء المدينة بما فعلته امرأة العزيز مع
فتاها، وعلمت امرأة العزيز بما قالته النسوة عنها، فغضبت غضبًا شديدًا،
وأرادت أن تظهر لهن عذرها، وأن جمال يوسف وحسن صورته هما اللذان جعلاها
تفعل ذلك، فأرسلت إليهن، وهيأت لهن مقاعد مريحة، وأعطت كل واحدة منهن
سكينا، ثم قالت ليوسف: اخرج عليهن.
فخرج يوسف متمثلاً لأمر سيدته، فلما رآه
النسوة انبهرن بجماله وحسنه، وقطعن أيديهن دون أن يشعرن بذلك، وظن جميع
النسوة أن الغلام ما هو إلا ملاك، ولا يمكن أن يكون بشرًا.
فقالت امرأة العزيز:
(فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم
ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين)
[يوسف: 32].
واقتنع النساء بما
تفعله امرأة العزيز مع يوسف، فلما رأى ذلك منهن
قال:
(قال
رب السجن أحب إليَّ مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن
من الجاهلين)
[يوسف: 33].
وكادت تحدث فتنة في المدينة بسبب عشق النساء
ليوسف، فرأى القائمون على الأمر في مصر أن يسجن يوسف إلى حين، فسجنوه، وظل
يوسف -عليه السلام- في السجن فترة، ودخل معه السجن فتيان أحدهما خباز
والآخر ساقي، ورأيا من أخلاق يوسف وأدبه وعبادته لربه ما جعلهما يعجبان به،
فأقبلا عليه ذات يوم يقصان عليه ما رأيا في نومهما،
(قال
أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل
الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين)
[يوسف: 36]
ففسر لهما يوسف
رؤياهما، بأن أحدهما سيخرج من السجن، ويرجع إلى عمله كساق للملك، وأما
الآخر وهو خباز الملك فسوف يصلب، وتأكل الطير من رأسه.
[center][center]وقبل أن يخرج ساقي الملك
من السجن طلب منه يوسف أن يذكر أمره عند الملك، ويخبره أن في السجن بريئًا
حبس ظلمًا، حتى يعفو عنه، ويخرج من السجن، ولكن الساقي نسى، فظل يوسف في
السجن بضع سنين، وبمرور فترة من الزمن تحقق ما فسره لهما يوسف.
وفي يوم من الأيام، نام الملك فرأى في منامه سبع بقرات سمان يأكلهن سبع
نحيفات، وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات، فقام من نومه خائفا مفزوعًا مما رآه،
فجمع رجاله وعلماء دولته، وقص عليهم ما رآه، وطلب منهم تفسيره، فأعجزهم
ذلك، وأرادوا صرف الملك عنه حتى لا ينشغل به،
فقالوا:
(أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام
بعالمين)
[يوسف: 44].
لكن هذه الرؤيا ظلت تلاحق الملك وتفزعه أثناء نومه، فانشغل الملك بها، وأصر
على معرفة تفسيرها، وهنا تذكر الساقي أمر يوسف، وطلب أن يذهب إلى السجن
ليقابل يوسف، وهناك طلب منه أن يفسر رؤيا الملك،
ففسر
يوسف البقرات السمان والسنبلات الخضر بسبع سنين يكثر فيها الخير وينجو
الناس فيه من الهلاك.
ولم يكتف يوسف بتفسير الحلم، وإنما قدم لهم الحل السليم. وما يجب عليهم
فعله تجاه هذه الأزمة، وهو أن يدخروا في سنوات الخير ما ينفعهم في سنوات
القحط والحاجة من الحبوب بشرط أن يتركوها في سنابلها، حتى يأتي الله
بالفرج.
ولما عرف الساقي تفسير الرؤيا، رجع إلى الملك ليخبره
بما
قاله له يوسف.
ففرح الملك فرحًا شديدًا،
وراح يسأل عن ذلك الذي فسر رؤياه،
فقال الساقي:
يوسف
. فقال الملك
على الفور: ائتوني به.
فذهب رسول الملك إلى يوسف
وقال له:
أجب الملك، فإنه يريد أن يراك، ولكن يوسف رفض أن يذهب إلى الملك قبل أن
تظهر براءته، ويعرف الملك ما حدث له من نساء المدينة.
فأرسل الملك في طلب امرأة العزيز وباقي النسوة، وسألهن عن الأمر، فقلن
معترفات بذنوبهن مقرَّات بخطئهن، ومعلنات عن توبتهن إلى الله: ما رأينا منه
سوءًا، وأظهرت امرأة العزيز براءة يوسف أمام الناس جميعًا.
عندئذ أصدر الملك قراره بتبرئة يوسف مما اتهم به، وأمر بإخراجه من السجن
وتكريمه، وتقريبه إليه. ثم خيره أن يأخذ من المناصب ما شاء
فقال يوسف:
(اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ
عليهم)
[يوسف: 55].
فوافق الملك على أن يتقلد يوسف هذا المنصب لأمانته وعلمه.
وتحققت رؤيا الملك، وانتهت سنوات الرخاء، وبدأت سنوات المجاعة، وجاء الناس
من كل مكان في مصر والبلاد المجاورة ليأخذوا حاجتهم من خزائن الملك.
وفي يوم من الأيام، وأثناء توزيع الحبوب على الناس إذا بيوسف أمام رجال
يعرفهم بلغتهم وأشكالهم وأسمائهم، وكانت مفاجأة لم يتوقعوها، إنهم إخوته،
أبناء أبيه يعقوب -عليه السلام-، الذي ألقوه في البئر وهو صغير، لقد جاءوا
محتاجين إلى الطعام، ووقفوا أمامه دون أن يعرفوه، فقد تغيرت ملامحه بعدما
كبر، فأحسن يوسف إليهم، وأنسوا هم به، وأخبروه أن لهم أخا أصغر من أبيهم لم
يحضر معهم، لأن أباه يحبه ولا يطيق فراقه.
فلما جهزهم يوسف بحاجات الرحلة، وقضى حاجتهم، وأعطاهم ما يريدون من الطعام،
قال لهم:
(ائتوني بأخ لكم من أبيكم ألا ترون
أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين. فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا
تقربون).
[يوسف: 59-60].
فأظهروا أن الأمر ليس ميسورا وسوف يمانع، ليستبدلوا بها القمح والعلف في
رحالهم بدلا من القمح فيضطروا إلى العودة إليه بأخيهم.
وعاد إخوة يوسف إلى أبيهم،
وقالوا:
(يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا
أخانا نكتل وإنا له لحافظون)
[يوسف: 63]
، فرفض يعقوب.
وذهب الإخوة إلى بضاعتهم ليخرجوها ففوجئوا ببضاعتهم الأولى التي دفعوها
ثمنا، ولم يجدوا قمحا، فأخبروا والدهم أن بضاعتهم قد ردت إليهم، ثم أخذوا
يحرجون أباهم بالتلويح له بمصلحة أهلهم في الحصول على الطعام، ويؤكدون له
عزمهم على حفظ أخيهم، ويرغبونه بزيادة الكيل لأخيهم، فقد كان يوسف يعطي لكل
فرد حمل بعير.
فقال لهم أبوهم:
(لن أرسله معكم حتى تؤتون
موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم فلما آتوه موثقهم قال الله على
ما نقول وكيل)
[يوسف: 66]
، ولم ينس أن يوصيهم في هذا الموقف وينصحهم،
فقال لهم:
(يا بني لا تدخلوا من باب واحد
وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله
عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون)
[يوسف: 67].
وسافر الإخوة إلى مصر، ودخلوها من حيث أمرهم أبوهم، ولما وقفوا أمام يوسف،
دعا أخاه الصغير، وقربه إليه، واختلى به، وأخبره أنه يوسف أخوه.
ثم وزن البضاعة لإخوته، فلما استعدوا للرحيل والعودة إلى بلادهم، إذا بيوسف
يريد أن يستبقي أخاه بجانبه، فأمر فتيانه بوضع السقاية (إناء
كان يكيل به) في رحل أخيه الصغير، وعندما بدأت القافلة في الرحيل
إذا بمناد ينادي ويشير إليهم:
(إنكم لسارقون)
[يوسف: 70].
فأقبل الإخوة يتساءلون عن الذي فقد، فأخبره المنادي أنه فقد مكيال الملك،
وقد جعل لمن يأتي به مكافأة قدرها حمل بعير.
وهنا لم يتحمل إخوة يوسف ذلك الاتهام، فدخلوا في حوار ساخن مع يوسف ومن
معه، فهم ليسوا سارقين وأقسموا على ذلك.
فقال الحراس:
(فما جزاؤه إن كنت كاذبين)
[يوسف: 74].
عطر الشهادة في الإثنين فبراير 06, 2012 5:18 pm
هنا ينكشف التدبير الذي ألهمه الله يوسف، فقد كان الحكم السائد في شريعة
بني إسرائيل أن السارق يكون عبدًا للمسروق منه، ولما كان يوسف -عليه
السلام- يعلم أن هذا هو جزاء السارق في شريعة بني إسرائيل، فقد قبل أن
يحتكم إلى شريعتهم دون شريعة المصريين، ووافق إخوته على ذلك لثقتهم في
أنفسهم. فأصدر يوسف الأوامر لعماله بتفتيش أوعية إخوته. فلم يجدوا شيئا، ثم
فتشوا وعاء أخيه، فوجدوا فيه إناء الكيل.
وتذكر إخوة يوسف ما وعدوا به أباهم من عودة أخيهم الصغير إليه،
فقالوا:
(يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا
فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين)
[يوسف: 78].
فقال يوسف:
(معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا
متاعنا عنده إنا إذًا لظالمون)
[يوسف:79].
وهكذا مكن الله ليوسف أن يحتفظ بأخيه، أما الإخوة فقد احتاروا وجلسوا
يفكرون فيما سيقولونه لأبيهم عندما يعودون، فقرر كبيرهم ألا يبرح مصر، وألا
يواجه أباه إلا أن يأذن له أبوه، أو يقضي الله له بحكم، وطلب منهم أن
يرجعوا إلى أبيهم، ويخبروه صراحة بأن ابنه سرق، فأخذ بما سرق، وإن شك في
ذلك؛ فليسأل القافلة التي كانوا معها أو أهل المدينة التي كانوا فيها.
فعادوا إلى أبيهم وحكوا له ما حدث، إلا أن أباهم لم يصدقهم،
وقال:
(بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل
عسى الله أن يأتيني بهم جميعًا إنه هو العليم الحكيم)
[يوسف: 83]
، ثم تركهم، وأخذ يبكي على يوسف وأخيه، حتى فقد بصره، فاغتاظ أبناءه
وقالوا:
(تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضًا
أو تكون من الهالكين)
[يوسف: 85].
فرد يعقوب -عليه السلام- عليهم أنه يشكو أمره لله، وليس لأحد من خلقه، وطلب
منهم أن يذهبوا ليبحثوا عن يوسف وأخيه، فهو يشعر بقلب المؤمن أن يوسف
مازال حيًّا، والمؤمن لا ييأس من رحمة الله أبدًا.
وتوجه الأبناء إلى مصر للمرة الثالثة يبحثون عن أخيهم، ويلتمسون بعض
الطعام، وليس معهم إلا بضاعة رديئة.
ولما وصلوا مصر دخلوا على يوسف،
فقالوا له:
(يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر
وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يحب المتصدقين)
[يوسف: 88]
. ففاجأهم يوسف بهذا السؤال:
(هل علمتم ما
فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون)
[يوسف:89]،
فتنبهوا إلى رنين هذا الصوت، وإلا هذه الملامح التي ربما يعرفونها،
فقالوا:
(أئنك لأنت يوسف)
[يوسف: 90].
فأخبرهم يوسف بحقيقته، وبفضل الله عليه. فاعتذر له إخوته، وأقروا بخطئهم،
فعفا يوسف عنهم، وسأل الله لهم المغفرة. ثم سألهم يوسف عن أبيه، فعلم منهم
أنه قد فقد بصره بسبب حزنه عليه،
فقال لهم:
(اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه
أبي يأت بصيرًا وأتوني بأهلكم أجمعين)
[يوسف: 93].
فأخذوا القميص وخرجوا من مصر متوجهين إلى فلسطين وقبل أن تصل العير قال
يعقوب لمن حوله: (إني لأجد ريح يوسف لولا أن
تفندون)
[يوسف: 94]
، فقالوا له: ( تالله إنك لفي ضلالك القديم)
[يوسف: 95]
وبعد أيام عادة إخوة يوسف إلى أبيهم، وبشروه بحياة يوسف وسلامة أخيه، ثم
أخرجوا قميص يوسف، ووضعوه على وجه يعقوب، فارتد إليه بصره.
وطلب إخوة يوسف من أبيهم أن يستغفر لهم، فوعدهم يعقوب بأنه سيستغفر لهم
الله وقت السحر؛ لأن هذا أدعى إليه استجابة الدعاء.
وغادر بنو إسرائيل أرضهم متوجهين إلى مصر، فلما دخلوها، استقبلهم يوسف
بترحاب كبير، وأكرم أبويه، فأجلسهما على كرسيه، وهنا لم يتمالك يعقوب
وامرأته وبنوه الأحد عشر أنفسهم حتى انحنوا تحية ليوسف وإكبار لوفائه،
وتقديرا لعفوه وفضله، وتذكر يوسف رؤياه القديمة التي رآها وهو صغير، فالأحد
عشر كوكبًا بعدد إخوته، والشمس والقمر هنا أبواه،
فقال:
(يا أبت هذا تأويل رُءياي من قبل قد
جعلها ربي حقًّا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد
أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم
الحكيم)
[يوسف: 100].
ثم توجه يوسف -عليه السلام- إلى الله -عز وجل- يشكره على نعمه،
فقال:
(رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من
تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني
مسلمًا وألحقني بالصالحين)
[يوسف: 101].
وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أكرم الناس.
فقال:
"أتقاهم".
فقالوا:
ليس عن هذا نسألك
. فقال:
"فيوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي
الله ابن خليل الله"
[متفق عليه].
القصه الثانيه عشر
أيوب عليه السلام
كان أيوب -عليه السلام- نبيا كريمًا يرجع نسبه
إلى إبراهيم الخليل -عليه السلام-،
[center]قال تعالى:
(ومن
ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون)
[الأنعام:
84].
وكان أيوب كثير المال والأنعام والعبيد، وكان
له زوجة طيبة وذرية صالحة؛ فأراد الله أن يختبره ويمتحنه، ففقد ماله، ومات
أولاده، وضاع ما عنده من خيرات ونعم، وأصابه المرض، فصبر أيوب على ذلك كله،
وظل يذكر الله
-عز وجل- ويشكره.
ومرت الأيام،
وكلما
مر يوم اشتد البلاء على أيوب، إلا أنه كان يلقى البلاء الشديد بصبر أشد،
ولما زاد عليه البلاء، انقطع عنه الأهل، وابتعد عنه الأصدقاء، فصبر ولم
يسخط أو يعترض على قضاء الله.
وظل أيوب
[center]في مرضه مدة طويلة لا يشتكي، ولا يعترض على أمر الله، وظل
صابرًا محتسبًا يحمد الله ويشكره، فأصبح نموذجا فريدًا في الصبر والتحمل.
وبعد طول صبر، توجه
أيوب إلى ربه؛ ليكشف عنه ما به من الضر والسقم:
(أني
مسني الضر وأنت أرحم الراحمين)
[الأنبياء: 83]
، فأوحى الله إلى أيوب أن يضرب
الأرض بقدمه، فامتثل أيوب لأمر ربه، فانفجرت عين ماء باردة فاغتسل منها؛
فشفي بإذن الله، فلم يبق فيه جرح إلا وقد برئ منه، ثم شرب شربة فلم يبق في
جوفه داء إلا خرج، وعاد سليمًا، ورجع كما كان شابًا جميلاً،
قال تعالى:
(فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر)
[الأنبياء: 84].
ونظرت زوجة أيوب إليه،
فوجدته في أحسن صورة، وقد أذهب الله عنه ما كان به من ألم وأذى وسقم ومرض،
وأصبح صحيحًا معافى، وأغناه الله، ورد عليه ماله وولده،
قال تعالى:
(وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا)
[الأنبياء: 84].
وقد جعل الله -عز وجل-
أيوب -عليه السلام- أسوة وقدوة لكل مؤمن ابتلي في جسده أو ماله أو ولده،
حيث ابتلاه الله بما هو أعظم من ذلك فصبر واحتسب حتى فرج الله عنه. قال
النبي صلى الله عليه وسلم :
"بينما أيوب يغتسل عريانًا خرَّ عليه رِجْل
جراد
(جماعة من الجراد)
من ذهب،
فجعل يحثي (يأخذ بيديه) في ثوبه، فناداه ربه:
يا أيوب
،
ألم أكن أغنيتك عما ترى؟
قال:
بلى يا رب، ولكن لا غنى لي
عن بركتك"
[البخاري].
القصه الثالثه عشر
ذو الكفل عليه السلام
أحد أنبياء الله، ورد ذكره في القرآن
الكريم مرتين، فقد مدحه الله -عز وجل- وأثنى عليه لصبره وصلاحه، وصدقه،
وأمانته وتحمله لكثير من المصاعب والآلام في سبيل تبليغ دعوته إلى قومه،
ولم يقصَّ الله -عز وجل- لنا قصته، ولم يحدد زمن دعوته، أو القوم الذين
أرسل إليهم.
قال
تعالى:
(وإسماعيل
وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين. وأدخلناهم في رحمتنا إنهم من الصالحين)
[الأنبياء:
85-86].
وقال تعالى:
(واذكر إسماعيل
واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار)
[ص: 48].
وقد روي
أن نبيًّا من الأنبياء
قال لمن معه:
أيكم يكفل
لي أن يصوم النهار ويقوم الليل ولا يغضب، ويكون معي في درجتي ويكون بعدي في مقامي؟
قال شاب
من
القوم: أنا. ثم أعاد فقال الشاب: أنا، ثم أعاد
فقال الشاب:
أنا،
ثم أعاد
فقال الشاب:
أنا، فلما مات قام بعده في
مقامه فأتاه إبليس بعدما قال ليغضبه يستعديه
فقال الرجل:
اذهب
معه.
فجاء فأخبره أنه لم ير شيئًا، ثم أتاه فأرسل معه آخر فجاءه فأخبره
أنه لم ير شيئًا، ثم أتاه فقام معه فأخذ بيده فانفلت منه فسمي (ذا الكفل) لأنه كفل أن لا يغضب.
[ابن جرير وابن المنذر وأبي
تمام].
القصه الرابعه عشر
يونس عليه السلام
في
أرض الموصل بالعراق، كانت هناك بلدة تسمى "نينوي"، انحرف أهلها عن منهج الله، وعن طريقه
المستقيم، وصاروا يعبدون الأصنام، ويجعلونها ندًّا لله وشريكًا له، فأراد
الله أن يهديهم إلى عبادته، والى طريقه الحق، فأرسل إليهم يونس -عليه
السلام-، ليدعوهم إلى الإيمان، وترك عبادة الأصنام التي لا تضر ولا تنفع،
لكنهم رفضوا الإيمان بالله، وتمسكوا بعبادة الأصنام، واستعمروا على كفرهم
وضلالهم دون أن يؤمن منهم أحد، بل إنهم كذَّبوا يونس وتمردوا عليه،
واستهزءوا به، وسخروا منه.
فغضب يونس من قومه، ويئس من استجابتهم له،
فأوحى الله إليه أن يخبر قومه بأن الله سوف يعذبهم بسبب كفرهم.
فامتثل يونس لأمر ربه، وبلغ قومه، ووعدهم
بنزول العذاب والعقاب من الله تعالى، ثم خرج من بينهم، وعلم القوم أن يونس
قد ترك القرية، فتحققوا حينئذ من أن العذاب سيأتيهم لا محالة، وأن يونس نبي
لا يكذب، فسارعوا، وتابوا إلى الله سبحانه، ورجعوا إليه وندموا على ما
فعلوه مع نبيهم، وبكى الرجال والنساء والبنون والبنات خوفًا من العذاب الذي
سيقع عليهم، فلما رأى الله -سبحانه- صدق توبتهم ورجوعهم إليه، كشف عنهم
العذاب، وأبعد عنهم العقاب بحوله وقوته ورحمته.
قال تعالى:
(فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما
آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين)
[يونس: 98].
وبعد خروج يونس من
قريته، ذهب إلى شاطئ البحر، وركب سفينة، وفي وسط البحر هاجت الأمواج واشتدت
الرياح، فمالت السفينة وكادت تغرق.
وكانت السفينة محملة بالبضائع الثقيلة، فألقى
الناس بعضًا منها في البحر، لتخفيف الحمولة، ورغم ذلك لم تهدأ السفينة، بل
ظلت مضطربة تتمايل بهم يمينًا ويسارًا فتشاوروا فيما بينهم على تخفيف
الحمولة البشرية، فاتفقوا على عمل قرعة والذي تقع عليه؛ يرمي نفسه في
البحر.
فوقعت القرعة على نبي الله يونس، لكن القوم رفضوا أن يرمي يونس نفسه
في البحر، وأعيدت القرعة مرة أخرى، فوقعت على يونس، فأعادوا مرة ثالثة
فوقعت القرعة عليه أيضًا، فقام يونس-عليه السلام-وألقى بنفسه في البحر،
وكان في انتظاره حوت كبير أرسله الله له، وأوحى إليه أن يبتلع يونس دون أن
يخدش له لحمًا، أو يكسر له عظمًا؛ ففعل،
قال تعالى:
(وإن
يونس لمن المرسلين. إذ أبق إلى الفلك المشحون. فساهم فكان من المدحضين.
فالتقمه الحوت وهو مليم)
[الصافات: 139-142].
وظل يونس في بطن الحوت بعض
الوقت، يسبح الله -عز وجل-، ويدعوه أن ينجيه من هذا الكرب،
قال تعالى:
(وذا النون إذ ذهب مغاضبًا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في
الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. فاستجبنا له
ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين)[الأنبياء: 87-88].
وأمر الله الحوت أن
يقذفه على الساحل، ثم أنبت عليه شجرة ذات أوراق عريضة تظلله وتستره وتقيه
حرارة الشمس،
قال تعالى:
(فنبذناه بالعراء وهو
سقيم. وأنبتنا عليه شجرة من يقطين)
[الصافات: 145-146].
وأمر الله يونس أن يذهب
إلى قومه؛ ليخبرهم بأن الله تاب عليهم، ورضى عنهم، فامتثل يونس لأمر ربه،
وذهب إلى قومه، وأخبرهم بما أوحى إليه، فآمنوا به فبارك الله لهم في
أموالهم وأولادهم.
قال تعالى:
(أرسلناه إلى مائة
ألف أو يزيدون. فآمنوا فمتعناهم إلى حين)
[الصافات: 147-148].
وقد أثنى الله -عز وجل-
على يونس في القرآن الكريم،
قال تعالى:
(وإسماعيل والسع
ويونس ولوطًا وكلا فضلنا على العالمين)
[الأنعام: 86].
كما أثنى النبي ص على
يونس-عليه السلام-
فقال:
"لا ينبغي لعبد أن
يقول أنا خير من يونس بن متى"
[متفق عليه].
وقد أخبر النبي صلى الله عليه
وسلم
أن الذي تصيبه مصيبة أو شر ثم يدعو بدعاء يونس-عليه السلام-،
يفرِّج الله عنه،
فقال صلى الله عليه وسلم
:
"دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من
الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له"
الترمذي].
القصه الخامسة عشر
شعيب
عليه السلام
على أرض مدين، وهي منطقة بالأردن الآن، كان
يعيش قوم كفار يقطعون الطريق، ويسلبون أموال الناس الذين يمرون عليهم،
ويعبدون شجرة كثيفة تسمى الأيكة.
وكانوا يسيئون معاملة الناس، ويغشُّون في البيع والشراء والمكيال والميزان،
ويأخذون ما يزيد عن حقهم.
فأرسل الله إليهم رجلاً منهم هو رسول الله شعيب-عليه السلام-، فدعاهم إلى
عبادة الله وعدم الشرك به، ونهاهم عن إتيان الأفعال الخبيثة، من نقص الناس
أشياءهم، وسلب أموال القوافل التي تمر بديارهم.
فقال لهم:
(يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله
غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس
أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين)
[الأعراف: 85].
وظل شعيب يدعو قومه ويبين لهم الحق، فآمن به عدد قليل من قومه وكفر أكثرهم،
لكن شعيبا لم ييأس من عدم استجابتهم، بل أخذ يدعوهم، ويذكر لهم نعم الله
التي لا تحصى، وينهاهم عن الغش في البيع والشراء.
لكن قومه لم يتقبلوا كلامه، ولم يؤمنوا به، بل قالوا له على سبيل الاستهزاء
والتهكم: (يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد
آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد)
[هود: 87].
فرد عليهم شعيب بعبارة لطيفة، يدعوهم فيها إلى الحق
(قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه
رزقًا حسنًا وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما
استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب)
[هود: 88].
وهكذا كان نبي الله شعيب قوي الحجة في دعوته إلى قومه، وقد سماه المفسرون
خطيب الأنبياء لبراعته، ثم قال لهم ليخوفهم من عذاب الله:
(ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب
قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد)
[هود: 89].
فأخذوا يهددونه ويتوعدونه بالقتل لولا أهله وعشيرته،
وقالوا له:
(يا شعيب ما نفقه كثيرًا مما تقول
وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز)
[هود: 91].
فقال لهم:
(يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله
واتخذتموه وراءكم ظهريًّا إن ربي بما تعملون محيط)
[هود: 92].
ثم أخذ يهددهم ويخوفهم من عذاب الله إن استمروا على طريق الضلال والعصيان،
وعند ذلك خيره قومه بين أمرين: إما العودة إلى دين الآباء والأجداد، أو
الخروج من البلاد مع الذي آمنوا معه، ولكن شعيبًا والذين آمنوا معه يثبتون
على إيمانهم، ويفوضون أمرهم لله.
فما كان من قومه ألا أن اتهموه بالسحر والكذب، وسخروا من توعده إياهم
العذاب، ويستعجلون هذا العذاب إن كان حقًّا. فدعا شعيب ربه
قائلاً:
(ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق
وأنت خير الفاتحين )
[الأعراف: 89]،
(أي احكم بيننا وبين قومنا
بالعدل وأنت خير الحاكمين).
فطلب الله سبحانه من شعيب أن يخرج هو ومن آمن معه؛ لأن العذاب سينزل بهؤلاء
المكذبين، ثم سلط الله على الكفار حرًّا شديدًا جفت منه الزروع والضروع
والآبار، فخرج الناس يلتمسون النجاة، فإذا بسحابة سوداء، فظنوا أن فيها
المطر والرحمة، فتجمعوا تحتها حتى أظلتهم، لكنها أنزلت عليهم حممًا حارقة،
ونيرانا ملتهبة أحرقتهم جميعًا، واهتزت الأرض، وأخذتهم صيحة أزهقت أرواحهم،
وحولتهم إلى جثث هامدة لا حراك فيها ولا حياة.
ونجي الله شعيبًا والذين آمنوا معه من العذاب الأليم،
قال تعالى:
(ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا
والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم
جاثمين. كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود)
[هود: 94-95].
شعيب
عليه السلام
على أرض مدين، وهي منطقة بالأردن الآن، كان
يعيش قوم كفار يقطعون الطريق، ويسلبون أموال الناس الذين يمرون عليهم،
ويعبدون شجرة كثيفة تسمى الأيكة.
وكانوا يسيئون معاملة الناس، ويغشُّون في البيع والشراء والمكيال والميزان،
ويأخذون ما يزيد عن حقهم.
فأرسل الله إليهم رجلاً منهم هو رسول الله شعيب-عليه السلام-، فدعاهم إلى
عبادة الله وعدم الشرك به، ونهاهم عن إتيان الأفعال الخبيثة، من نقص الناس
أشياءهم، وسلب أموال القوافل التي تمر بديارهم.
فقال لهم:
(يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله
غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس
أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين)
[الأعراف: 85].
وظل شعيب يدعو قومه ويبين لهم الحق، فآمن به عدد قليل من قومه وكفر أكثرهم،
لكن شعيبا لم ييأس من عدم استجابتهم، بل أخذ يدعوهم، ويذكر لهم نعم الله
التي لا تحصى، وينهاهم عن الغش في البيع والشراء.
لكن قومه لم يتقبلوا كلامه، ولم يؤمنوا به، بل قالوا له على سبيل الاستهزاء
والتهكم: (يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد
آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد)
[هود: 87].
فرد عليهم شعيب بعبارة لطيفة، يدعوهم فيها إلى الحق
(قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه
رزقًا حسنًا وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما
استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب)
[هود: 88].
وهكذا كان نبي الله شعيب قوي الحجة في دعوته إلى قومه، وقد سماه المفسرون
خطيب الأنبياء لبراعته، ثم قال لهم ليخوفهم من عذاب الله:
(ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب
قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد)
[هود: 89].
فأخذوا يهددونه ويتوعدونه بالقتل لولا أهله وعشيرته،
وقالوا له:
(يا شعيب ما نفقه كثيرًا مما تقول
وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز)
[هود: 91].
فقال لهم:
(يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله
واتخذتموه وراءكم ظهريًّا إن ربي بما تعملون محيط)
[هود: 92].
ثم أخذ يهددهم ويخوفهم من عذاب الله إن استمروا على طريق الضلال والعصيان،
وعند ذلك خيره قومه بين أمرين: إما العودة إلى دين الآباء والأجداد، أو
الخروج من البلاد مع الذي آمنوا معه، ولكن شعيبًا والذين آمنوا معه يثبتون
على إيمانهم، ويفوضون أمرهم لله.
فما كان من قومه ألا أن اتهموه بالسحر والكذب، وسخروا من توعده إياهم
العذاب، ويستعجلون هذا العذاب إن كان حقًّا. فدعا شعيب ربه
قائلاً:
(ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق
وأنت خير الفاتحين )
[الأعراف: 89]،
(أي احكم بيننا وبين قومنا
بالعدل وأنت خير الحاكمين).
فطلب الله سبحانه من شعيب أن يخرج هو ومن آمن معه؛ لأن العذاب سينزل بهؤلاء
المكذبين، ثم سلط الله على الكفار حرًّا شديدًا جفت منه الزروع والضروع
والآبار، فخرج الناس يلتمسون النجاة، فإذا بسحابة سوداء، فظنوا أن فيها
المطر والرحمة، فتجمعوا تحتها حتى أظلتهم، لكنها أنزلت عليهم حممًا حارقة،
ونيرانا ملتهبة أحرقتهم جميعًا، واهتزت الأرض، وأخذتهم صيحة أزهقت أرواحهم،
وحولتهم إلى جثث هامدة لا حراك فيها ولا حياة.
ونجي الله شعيبًا والذين آمنوا معه من العذاب الأليم،
قال تعالى:
(ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا
والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم
جاثمين. كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود)
[هود: 94-95].
الثلاثاء يناير 30, 2018 12:24 pm من طرف أبويحيى
» كتاب:موسوعة ألف اختراع واختراع - التراث الإسلامي في عالمنا المؤلف :البروفيسور سليم الحسني
الأربعاء يناير 24, 2018 10:03 pm من طرف أبويحيى
» أخبار برشلونى اليوم
الأربعاء يناير 24, 2018 9:48 pm من طرف أبويحيى
» روابط مشاهدة جميع المباريات بدون تقطيع
الأربعاء يناير 24, 2018 9:44 pm من طرف أبويحيى
» منج الفلسفة والمنطق لعام 2016 الجديد
الأحد سبتمبر 13, 2015 8:38 pm من طرف أبويحيى
» مذكرة الصف الأول الثانوى الجديد لعام 2015
الأربعاء مارس 18, 2015 8:00 pm من طرف أبويحيى
» تحميل لعبة كرة القدم pes 2015 مجانا ً وبروابط مباشرة
السبت يناير 24, 2015 11:59 am من طرف أبويحيى
» اقوى مذكرة ادب وورد للصف الاول الثانوى مدعمة بتدريبات الاسئلة بمواصفات جديدة لواضع الاسئلة 2014
الإثنين أكتوبر 20, 2014 12:06 am من طرف أبويحيى
» مذكرة الاستاذ عبدة الجعر مراجعة قصة ابو الفوارس فصل فصل شامل كل الاسئلة الامتحانية بمواصفات 2014
الإثنين أكتوبر 20, 2014 12:04 am من طرف أبويحيى