القصه السادسة عشر
موسى وهارون عليهما
السلام
في الزمن
الماضي كان يعيش في مصر ملك جبار طاغية، يعرف بفرعون، استعبد قومه وطغى
عليهم، وقسم رعيته إلى عدة أقسام، استضعف طائفة منهم، وأخذ في ظلمهم
واستخدامهم في أخس الأعمال شرفًا ومكانة، وهؤلاء هم بنو إسرائيل الذين يرجع
نسبهم إلى نبي الله يعقوب-عليه السلام- وقد دخلوا مصر عندما كان سيدنا
يوسف -عليه السلام- وزيراً عليها.
وحدث أن فرعون كان
نائمًا، فرأى في منامه كأن نارا أقبلت من بيت المقدس، فأحرقت مصر جميعها
إلا بيوت بني إسرائيل، فلما استيقظ، خاف وفزع من هذه الرؤيا، فجمع الكهنة
والسحرة وسألهم عن تلك الرؤية فأخبروه بأن غلامًا سيولد في بني إسرائيل،
يكون سببا لهلاك أهل مصر، ففزع فرعون من هذه الرؤيا العجيبة، وأمر بقتل كل
مولود ذكر يولد في بني إسرائيل، خوفا من أن يولد هذا الغلام.
ومرت
السنوات، ورأى أهل مصر أن بني إسرائيل قل عددهم بسبب قتل الذكور الصغار،
فخافوا أن يموت الكبار مع قتل الصغار، فلا يجدون من يعمل في أراضيهم،
فذهبوا إلى فرعون وأخبروه بذلك، ففكر فرعون، ثم أمر بقتل الذكور عامًا،
وتركهم عامًا آخر.
فولد هارون في العام الذي
لا يُقتل فيه الأطفال.
أما موسى فقد ولد في عام
القتل، فخافت أمه عليه، واحتار تفكيرها في المكان الذي تضعه فيه بعيدًا عن
أعين جنود فرعون الذين يتربصون بكل مولود من بني إسرائيل لقتله، فأوحى الله
إليها أن ترضعه وتضعه في صندوق، ثم ترمي هذا الصندوق في النيل إذا جاء
الجنود،
قال تعالى:
(وأوحينا إلى أم موسى
أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه
إليك وجاعلوه من المرسلين)
[القصص: 7].
فجهزت صندوقًا صغيرًا، وأرضعت ابنها، ثم وضعته
في الصندوق، وألقته في النيل عندما جاء جنود فرعون، وأمرت أخته بمتابعته،
والسير بجواره على البر لتراقبه، وتتعرف على المكان الذي استقر فيه
الصندوق.
وظل الصندوق طافيًا على وجه النهر وهو
يتمايل يمينًا ويساراً، تتناقله الأمواج من جهة إلى أخرى، ثم استقرت به تلك
الأمواج ناحية قصر فرعون الموجود على النيل، ولما رأت أخته ذلك أسرعت إلى
أمها لتخبرها بما حدث. وكانت السيدة آسية زوجة فرعون تمشي في حديقة القصر
كعادتها، ويسير من خلفها جواريها، فرأت الصندوق على شاطئ النهر من ناحية
القصر، فأمرت جواريها أن يأتين به، ثم فتحنه أمامها، ونظرت آسية في
الصندوق، فوقع نظرها على طفل صغير، فألقى الله في قلبها محبة هذا الطفل
الصغير.
وكانت
آسية عقيمًا لا تلد، فأخذته وضمته إلى صدرها ثم قبلته، وعزمت على حمايته من
القتل والذبح، وذهبت به إلى زوجها،
وقالت له
في حنان ورحمة:
(قرت عين لي ولك لا
تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون)
[القصص:
9].
فلما رأى فرعون تمسك زوجته بهذا الطفل، وافق
على طلبها ولم يأمر بقتله، واتخذه ولدًا.
ومرت
ساعات قليلة وزوجة فرعون تحمل الطفل فرحة مسرورة به، تضمه إلى صدرها
وتقبله، وفجأة بكى موسى بشدة، فأدركت السيدة آسية أنه قد حان وقت رضاعته
فأمرت بإحضار مرضعة لترضعه، وتهتم بأمره، فجاء إلى القصر عدد كثير من
المرضعات، لكن الطفل امتنع عن أن يرضع منهن، مما جعل أهل القصر ينشغلون
بهذا الأمر، واشتهر هذا الأمر بين الناس، فعرفت أخته بذلك، فذهبت إلى
القصر، وقابلت السيدة آسية زوجة فرعون، وأخبرتها أنها تعلم مرضعة تصلح لهذا
الطفل. ففرحت امرأة فرعون، وطلبت منها أن تسرع، وتأتي بتلك المرضعة، فذهبت
إلى أمها فوجدتها حزينة على ابنها حزنًا كبيرًا، فأخبرتها بما حدث بينها
وبين زوجة فرعون، فهدأت نفس أم موسى وارتاح بالها.
ذهبت
أم موسى مع ابنتها إلى قصر فرعون، ولما دخلته أتوها بالرضيع، وبمجرد أن
قدمت له ثديها أقبل عليه الطفل وشرب وارتوى، وأخذت الأم ابنها إلى بيته
الذي ولد فيه، فعاش موسى فترة رضاعته مع أبيه وأمه وإخوته، ولما عاد إلى
قصر فرعون اهتموا بتربيته تربية حسنة، فنشأ وتربى كأبناء الملوك والأمراء
قويًّا جريئًا متعلماً.
كبر موسى، وصار رجلاً
قويًّا شجاعًا، وذات يوم، كان يسير في المدينة فرأى رجلين يتشاجران، أحدهما
من قومه بني إسرائيل، والآخر قبطي من أهل مصر، فاستغاث الإسرائيلي بموسى،
فأقبل موسى، وأراد منع المصري من الاعتداء، فدفعه بيده فسقط على الأرض
ميتًا، فوجد موسى نفسه في موقف عصيب، لأنه لم يقصد قتل هذا الرجل، بل كان
يريد الدفاع عن مظلوم فقط، وحزن موسى، وتاب إلى الله ورجع إليه، وأخذ يدعوه
سبحانه أن يغفر له هذا الذنب.
ولكن سرعان ما انتشر الأمر في المدينة، وأخذ الناس يبحثون عن
القاتل، ليعاقبوه، فلم يعثروا عليه، ومرت الأيام، وبينما موسى كعادته يسير
في المدينة؛ فوجد الرجل الإسرائيلي نفسه يتشاجر مع مصري آخر، واستغاث مرة
ثانية بموسى فغضب موسى من هذا الأمر، ثم تقدم ليفض هذا النزاع، فظن
الإسرائيلي أن موسى سيقبل عليه؛ ليضربه لأنه غضبان منه،
فقال
له:
(يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا
بالأمس)
[القصص: 19].
وعلم
المصريون أن موسى هو القاتل، فأخذوا يفكرون في الانتقام منه، وجاء إليه من
ينصحه بأن يبتعد عن المدينة. فخرج موسى من المدينة وهو خائف، يتلفت يمينًا
ويساراً يترقب أهلها، ويدعو الله أن ينجيه من القوم الظالمين.
خرج موسى وليس في ذهنه مكان معين يتوجه إليه،
ثم هداه تفكيره إلى أن يذهب إلى أرض مدين، فتوكل على الله، وواصل السير
إليها.
فلما وصل
إلى مدين، توجه ناحية شجرة بجوار بئر، وجلس تحتها فوجد فتاتين، ومعهما
أغنامهما تقفان بعيدًا عن الازدحام حتى ينتهي الناس، فتقدم موسى منهما،
وسألهما عن سبب وقوفهما بعيدًا، فأخبرتاه أنهما لا يسقيان حتى ينتهي الناس
من سقي أغنامهم، ويخف الزحام، وقد خرجا يسقيان لأن أباهما شيخ كبير لا
يستطيع أن يتحمل مشقة هذا العمل، فتقدم موسى وسقى لهما أغنامهما، ثم عاد
مرة أخرى إلى ظل الشجرة ليأخذ المزيد من الراحة بعد عناء السفر. وأخذ يدعو
ربه
قائلاً:
(رب
إني لما أنزلت إليَّ من خير فقير)
[القصص: 24].
ولما
عادت الفتاتان إلى أبيهما، قصتا عليه ما حدث، فأعجب الأب بهذا الرجل
الغريب وشهامته ومروءته، وأمر إحدى ابنتيه أن تخرج إليه، وتدعوه للحضور حتى
يكافئه، فجاءت إليه إحدى الفتاتين لتخبره بدعوة الأب، فلبى موسى الدعوة،
وذهب إلى إحدى الفتاتين لتخبره بدعوة الأب، فلبى موسى الدعوة، وذهب إلى هذا
الرجل الصالح، فسأله الرجل عن اسمه وقصته، فقص عليه موسى ما حدث، فطمأنه
الشيخ، وطلبت إحدى الفتاتين من أبيها أن يستأجر موسى ليعينهما فهو رجل قوي
أمين.
وقد عرض الشيخ على موسى-عليه السلام-أن يزوجه
إحدى ابنتيه في مقابل أن يعمل عنده أجيرا لمدة ثماني سنوات، أو عشرًا إذا
شاء.
فوافق موسى على هذا الأمر، وتزوج إحدى البنتين،
واستمر يرعى الغنم عند ذلك الشيخ عشر سنين، ثم أراد موسى الرحيل والعودة
بأهله إلى مصر، فوافق الشيخ الصالح على ذلك، وأكرمه وزوده بما يعينه في
طريق عودته إلى مصر
سار موسى بأهله تجاه مصر، حتى
حل عليهم الظلام، فجلسوا يستريحون من أثر هذا السفر، حتى يكملوا المسير
بعد ذلك في الصباح، وكان الجو شديد البرودة، فأخذ موسى يبحث عن شيء
يستدفئون عليه، فرأى ناراً من بعيد، فطلب من أهله الانتظار؛ حتى يذهب إلى
مكان النار، ويأتي منها بشيء يستدفئون به.
توجه موسى وفي يده عصاه ناحية النار التي شاهدها،
ولما وصل إليها نداء يقول:
(يا موسى. إني أنا
ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى. وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى. إنني
أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري. إن الساعة آتية أكاد
أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى. فلا يصدنك نها من لا يؤمن بها واتبع هواه
فتردى)
[طه: 11-16].
ثم سأله الله-عز وجل-عما يحمله في يمينه.
فقال موسى:
(هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها
على غنمي ولي فيها مآرب أخرى)
[طه: 18].
فأمره الله-عز وجل-أن يلقي هذه العصا، فألقاها فانقلبت العصا وتحولت إلى
ثعبان كبير يتحرك ويسير بسرعة، فولى موسى من الخوف هاربًا، فأمره الله
-عز وجل-أن يعود ولا يخاف، وسوف تعود عصا كما كانت أول مرة، فمد موسى يده
إلى تلك الحية ليأخذها، فإذا بها عصا كما كانت.
وكان موسى أسمر اللون، فأمره الله-عز وجل-أن يدخل يده في ثيابه ثم يخرجها،
فخرجت بيضاء ناصعة البياض، فكانت هاتان معجزتين من الله لنبيه موسى،
لتثبيته في رسالته المقبلة إلى فرعون وملئه، ثم أمره الله-عز وجل-بالذهاب
إلى فرعون لهدايته وتبليغه الدعوة، فاستجاب موسى لأمر ربه، ولكنه قبل أن
يذهب أخذ يدعو ربه بأن يوفقه لما هو ذاهب إليه، ويسأله العون والمدد،
فقال:
(رب اشرح لي صدري. ويسر لي أمري. واحلل
عقدة من لساني. يفقهوا قولي. واجعل لي وزيرًا من أهلي. هرون أخي. اشدد به
أزري. وأشركه في أمري. كي نسبحك كثيرًا. ونذكرك كثيرا. إنك كنت بنا بصيرا)
[طه: 25-35].
فاستجاب الله-عز وجل-دعاءه، فتذكر موسى أنه قتل رجلاً من المصريين، فخاف أن
يقتلوه، فطمأنه الله-سبحانه-بأنهم لن يصيبوه بأذى، فاطمأن موسى.
وعاد موسى إلى مصر، وأخبر أخاه هارون بما حدث بينه وبين الله-عز وجل-،
ليشاركه في توصيل الرسالة إلى فرعون وقومه، ويساعده في إخراج بني إسرائيل
من مصر، ففرح هارون بذلك، وأخذ يدعو مع موسى ويشاركه في نشر الدعوة.
وكان فرعون شديد البطش والظلم ببني إسرائيل فتوجه هارون وموسى
-عليهما الصلاة والسلام-إلى ربهما يدعوانه بأن ينقذهما من طغيان فرعون.
فقال لهما الله تعالى مطمئنًا ومثبتًا:
(لا
تخافا إنني معكما أسمع وأرى. فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني
إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى. إنا
قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى)
[طه: 46-48].
فلما ذهب موسى مع أخيه هارون إلى فرعون قاما بدعوته إلى الله، وإخراج بني
إسرائيل معهم، لكن فرعون راح يستهزئ بهما، ويسخر منهما، ومما جاءا به، وذكر
موسى بأنه هو الذي رباه في قصره وظل يرعاه حتى قتل المصري وفرَّ هاربًا،
فأخبره موسى أن الله قد هداه وجعله نبيًّا، لكي يدعوه إلى عبادة الله
وطاعته، ولكن فرعون لم يستجب له، فعرض عليه موسى أن يأتي له بدليل يبين له
صدق رسالته. فطلب فرعون منه الدليل إن كان صادقًا، فألقى موسى عصاه فتحولت
إلى حية كبيرة، فخاف الناس وفزعوا من هذا الثعبان، فمد موسى يده إليها
وأخذها فعادت عصا كما كانت. ثم أدخل يده في جيب قميصه ثم أخرجها فإذا هي
بيضاء ناصعة البياض.
ولكن فرعون يعلن في قومه أن موسى ساحر، فأشار عليه القوم أن يجمع السحرة من
كل مكان لمواجهة موسى وسحره، على أن يكون هذا الاجتماع يوم الزينة، وكان
هذا اليوم يوم عيد فرعون وقومه، حيث يجتمع الناس جميعًا، في مكان فسيح أمام
قصر فرعون للاحتفال.
وسارع فرعون في إعلان الموعد لجميع الناس، ليشهدوا هذا اليوم، وكتب إلى كل
السحرة ليعدوا العدة لذلك اليوم.. وجاء اليوم المنتظر، وتسابق الناس إلى
ساحة المناظرة، ليروا من المنتصر؛ موسى أم السحرة؟
وقبل أن يخرج فرعون إلى موسى اجتمع مع السحرة، وأخذ يرغبهم ويعدهم ويمنيهم
بآمال عظيمة إذ ما انتصروا على موسى وأخيه وتفوقوا عليهما، وكان السحرة
يطمعون فيما عند فرعون من أجر ومكانة.
وبعد لحظات خرج فرعون ومن خلفه السحرة إلى ساحة المناظرة، ثم جلس في المكان
الذي أُعد له هو وحاشيته، ووقف السحرة أمام موسى وهارون
-عليهما الصلاة والسلام-.
بعد ذلك رفع فرعون يده إيذانا ببدء المناظرة. وعرض السحرة على موسى أحد
أمرين؛ إما أن يلقي عصاه أولاً أو يلقوا عصيهم أولاً. فترك لهم موسى
البداية.
فألقى السحرة حبالهم وعصيهم، فسحروا أعين الناس، وتحولت جميع الحبال
والعصيان إلى حيات تسعى وتتحرك أمام أعين الحاضرين، فخاف الناس من هول ما
يرونه أمامهم، حتى موسى وهارون-عليهما السلام-أصابهما الخوف، فأوحى الله
لموسى ألا يخف ويلقي عصاه، فاطمأن موسى وأخوه لأمر الله، ثم ألقى عصاه
فتحولت إلى حية عظيمة تبتلع حبال السحرة وعصيهم. فلما رأى السحرة ذلك علموا
أنها معجزة من معجزات الله وليست سحرًا، فشرح الله صدورهم للإيمان بالله
وتصديق ما جاء به موسى فسجدوا لله الواحد الأحد، معلنين إيمانهم برب موسى
وهارون.
وهنا اشتد غيظ فرعون وأخذ يهدد السحرة،
ويقول لهم:
(آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه
لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم ولأصلبنكم في جذوع النخل
ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى)
[طه: 71].
لكن السحرة لم يخافوا ولم يفزعوا من كلامه وتهديداته، بعد أن أدخل الله في
قلوبهم نور الحق والإيمان،
فقالوا:
(لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات
والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا. إنا آمنا بربنا
ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى. إنه من يأت
ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى. ومن يأته مؤمنًا قد عمل
الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى. جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين
فيها وذلك جزاء من تزكى)
[طه: 72-76].
فغضب فرعون غضبا شديدا، وأخذ المضللون من قومه يحرضونه على موسى وبني
إسرائيل، فأصدر فرعون أوامره لجنوده أن يقتلوا أبناء الذين آمنوا من بني
إسرائيل، ويتركوا النساء، واستطاع فرعون بهذه التهديدات أن يرهب الضعاف
والذين في قلوبهم مرض من قوم موسى، فلم يؤمنوا به خوفًا من فرعون وبطشه،
وحتى أولئك الذين آمنوا لم يسلموا تمامًا من الخوف والرهبة من فرعون.
فلما رأى موسى ما أصاب قومه من خوف وهلع، توجه إلى الله بدعاء أن ينجيه
والمؤمنين من كيد فرعون.
وأخذ فرعون يفكر في حيلة للخلاص من موسى، وذات يوم جمع أعوانه وعشيرته
وأعلن لهم ما توصل إليه، وهو أن يقتل موسى.
وبعد أن انتهى من كلامه إذا برجل من قومه وعشيرته قد آمن بموسى سرًّا ي
قول له:
(أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد
جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض
الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب)
[غافر: 28]
، ثم أخذ يدعو المصريين للإيمان بالله ويحذرهم من العذاب. فأعرض فرعون عنه
ولم يستمع إلى نصيحته.
ومرت الأيام، وأخذ فرعون وأعوانه في تعذيب بني إسرائيل وتسخيرهم في العمل،
ولم يسمع لما طلبه منه موسى في أن يتركه وقومه يخرجون من مصر إلى الشام
فسلط الله عليهم أعوام جدب وفقر حيث قل ماء النيل، ونقصت الثمار، وجاع
الناس، وعجزوا أمام بلاء الله-عز وجل-، وأنزل الله بهم أنواعًا أخرى من
العذاب إضافة إلى ما هم فيه كالطوفان الذي أغرق زروعهم وديارهم، والجراد
الذي أكل ما بقي من زروعهم وأشجارهم وسلط عليهم السوس، فأكل ما اختزنوه في
صوامعهم من الحبوب والدقيق، وأرسل إليهم الضفادع، فأقلقت راحتهم، وحوَّل
مياههم التي تأتي من النيل والآبار والعيون دمًا.
كل هذه البلايا أصابت فرعون وقومه، أما موسى ومن آمن معه فلم يحدث لهم أي
شيء، فكان هذا دليلاً وبرهانًا على صدق ما جاء به موسى وأخيه هارون.
ومرت الأيام، واستمرت تلك البلايا، بل إنها كانت تزداد يومًا بعد يوم، فذهب
المصريون إلى فرعون يشيرون عليه أن يطلق سراح بني إسرائيل مقابل أن يدعو
موسى ربه أن يكشف ذلك الضر عنهم، ويشفع لهم عند ربه هذا العذاب والضيق.
فدعا موسى ربه، حتى استجاب له، وكشف ما أصاب فرعون وقومه من عذاب وبلاء.
وزاد فرعون في عناده وكفره بالله، ولما رأى موسى إصرار فرعون على كفره
وجحوده، وتماديه في غيِّه وتكذيبه بكل الآيات التي جاء بها، رفع يديه إلى
السماء متوجهًا إلى الله متضرعًا ومتوسلاً إليه سبحانه أن يخلص بني إسرائيل
من يدي فرعون وجنوده، وأن يعذب الكفرة بالعذاب المهين.
واستجاب الله-سبحانه وتعالى-دعاء نبيه ورسوله موسى، وجاء الأمر الإلهي إلى
موسى أن يخرج مع بني إسرائيل من مصر ليلاً، ولا يخاف من العاقبة، وأخبره أن
فرعون سيتبعه، ولكن الله منجيه هو ومن آمن معه وسيغرق فرعون وجنوده.
فأخبر موسى بني إسرائيل بالخبر، وطلب منهم أن يتجهزوا للخروج معه إذا جنَّ
الليل، فأسرع قوم موسى يتجهزون للرحيل من مصر، فهي الساعة التي طال
انتظارهم بها.
وسار موسى وقومه في اتجاه البحر، وبعد ساعات طويلة كان موسى ومن معه قد
قطعوا شوطًا طويلاً على أقدامهم، ووصل خبر خروج بني إسرائيل من مصر إلى
فرعون فهاج هياجًا شديدًا، وأصدر أوامره أن يجتمع إليه في الحال جميع
جنوده.
وفي لحظات اجتمع إلى فرعون عدد كبير من الجنود والفرسان، فأخذهم وخرج بهم
يترقب أثر موسى وقومه حتى أدركهم عند شروق الشمس، وهنا تملك بني إسرائيل
الرعب والفزع من هول الموقف الذي هم فيه، فالبحر أمامهم، وفرعون وجنوده من
خلفهم، فراحوا يتخيلون ما سيوقعه فرعون بهم من ألوان العذاب والنكال، وظنوا
أن فرعون سيدركهم لا محالة.
[center][center]وهنا قام
رجلان مؤمنان منهم،
فقالا لهم:
(ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه
فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين)
[المائدة: 23]
، فما كان رد بني إسرائيل إلا أن
قالوا:
(يا موسى إنا لن ندخلها أبدًا ما
داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون)
[المائدة: 24].
فاشتد غضب موسى على هؤلاء القوم الذين ينسون نعمة الله عليهم، فأخذ يدعو
ربه أن يباعد بينه وبين هؤلاء الفاسقين.
فجاءه الجواب من الله عز وجل،
قال تعالى:
(فإنها محرمة عليهم أربعين سنة
يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين).
[المائدة: 26]
وهكذا حكم الله على بني إسرائيل أن يتيهوا في الأرض مدة أربعين سنة؛ نتيجة
اعتراضهم على أوامر الله، وعدم امتثالهم لما أمرهم به موسى، وراح بنو
إسرائيل يسيرون في الصحراء بلا هدى واستمروا في التيه حتى دخلوا الأرض
المقدسة بعد ذلك على يد يوشع بن نون بعد أن جمع شملهم.
موسى والخضر:
في يوم من الأيام خطب موسى-عليه السلام-في بني إسرائيل، ووعظهم موعظة
بليغة، فاضت منها العيون، ورقت لها القلوب.. ثم انصرف عائدًا من حيث جاء،
فتبعه رجل وسار خلفه حتى إذا اقترب منه، سأله قائلاً: يا رسول الله، هل في
الأرض أعلم منك؟ قال: لا.
فعتب الله عليه إذ لم يردَّ العلم لله-سبحانه-وأوحى إليه أن في مجمع
البحرين عبدًا هو أعلم منك، فنهض موسى، وسأل ربه عن علامة يعرفه بها.
فأوحى الله إليه أن يأخذ معه في سفره حوتًا ميتًا، وفي المكان الذي ستعود
الحياة فيه إلى الحوت فسيجد العبد الصالح، فأخذ موسى حوتًا ميتًا في وعاء،
ثم انطلق لمقابلة العبد الصالح، واصطحب معه في هذه الرحلة يوشع بن نون،
وكان غلامًا صغيرًا.
سار موسى مع غلامه سيرًا طويلاً حتى وصلا إلى صخرة كبيرة بجوار البحر،
فجلسا يستريحان عندها من أثر السفر، فوضعا رأسيهما وناما، وبعد فترة استيقظ
الفتى يوشع بن نون قبل أن يستيقظ موسى، فرأى شيئًا عجيبًا، رأى أن الحوت
تحرك ودبت فيه الحياة، ثم سقط الحوت بجوار الشاطئ، وجاء موج البحر فحمله
إلى الداخل، فلما استيقظ موسى نسى الفتى أن يخبره بما حدث وأخذا يسيران في
طريقهما لمقابلة الرجل الصالح.
ومرت الساعات ومازال موسى وغلامه يسيران بجد ونشاط لمقابلة الرجل الصالح،
حتى أحس موسى بالجوع، فطلب من فتاه أن يحضر الحوت منه، فأخبر موسى أنه نسيه
هناك عند المكان الذي جلسا فيه ليستريحا من أثر التعب، وقد أحياه الله، ثم
قفز وأخذ طريقه في البحر، فأخبره موسى أن هذا هو المكان الذي يريده.
ورجع موسى وغلامه إلى تلك الصخرة التي نسيا عندها الحوت، فوجدا رجلا جالسًا
مغطًى بثوب، اسمه الخضر، فأقبل عليه موسى وألقى عليه السلام، فكشف الخضر
الغطاء عن وجهه
وقال:
وهل بأرضك من سلام؟
من أنت؟
قال:
أنا موسى.
قال
الخضر
موسى بني
إسرائيل
؟
قال:
نعم.
قال الخضر:
فما شأنك؟
قال:
جئت لتعلمني مما علمت رشدًا.
فقال الخضر:
أما يكفيك أن التوراة بيديك، وأن
الوحي يأتيك. يا موسى إن لي علمًا لا ينبغي لك أن تعلمه، وإن لك علمًا لا
ينبغي لي أن أعلمه. وفجأة جاء طائر صغير وشرب من البحر بمنقاره، فقال الخضر
لموسى: والله ما علمي وما علمك في جنب علم الله إلا كما أخذ هذا الطائر
بمنقاره من البحر
.[البخاري].
ثم أخبر الخضر موسى بأنه لا يتحمل ما سيراه من أمره، فوعده موسى بالصبر،
وحسن الطاعة، فطلب منه الخضر ألا يسأله عن شيء حتى يذكره هو له.
فوافق موسى على ذلك، وانطلقا يسيران على شاطئ البحر، فمرت من أمامهما سفينة
عظيمة، فكلم الخضر أصحابها، أن يركب هو وموسى معهم، فحملوهما، ولم يأخذا
منهما أجراً، لأنهم كانوا يعرفون الخضر جيدًا.
ولما سارت السفينة فوجئ موسى بأن الخضر قد خلع لوحًا من السفينة، فاقترب من
الخضر، وقال له: قوم حملونا بغير نول (أجر) عمدت إلى سفينتهم فخرقتها
لتغرق أهلها. فقال الخضر: ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبراً. فتذكر موسى ما
اشترطه عليه الخضر، فاعتذر إليه بأنه قد نسى.
فقبل الخضر عذر موسى، ولم يؤاخذه هذه المرة على نسيانه، ولما رست السفينة
على الشاطئ نزل موسى والخضر وسارا تجاه القرية، وفي الطريق رأى الخضر
غلامًا ظريفًا يلعب مع الغلمان فأقبل عليه وقتله، فلما رأى موسى ذلك أنكر
عليه ما فعل، لأنه قتل نفسًا بغير وجه حق. فذكَّره الخضر بأنه لن يستطيع
معه صبرًا.
فأحس موسى أنه قد تسرع في الاستفسار عن سبب مقتل هذا الغلام، فاعتذر للخضر،
ووعده أنه إن سأله عن شيء بعد ذلك فليفارقه.
فقبل الخضر عذر موسى في هذه المرة أيضًا، وسارا في طريقهما حتى بلغ قرية
ما، فطلبا من أهلها طعامًا فرفضوا، وبينما هما يسيران، وجدا فيها جدارًا
ضعيفًا مائلاً معرضًا للسقوط، فاقترب الخضر منه، وقام بإصلاحه وتقويته،
فتحير موسى في أمر هذا العبد الصالح، وتعجب من سلوكه مع أولئك الذين رفضوا
أن يطعموهما، وذكر للخضر أنه يستحق أن يأخذ أجرًا على ما فعل.
فأخبره الخضر أنه لابد أن يفارقه، وأخذ يفسر له ما حدث؛ فبين له أن السفينة
كانت لمساكين يعملون عليها في نقل الركاب من ساحل إلى ساحل مقابل أجر
زهيد، وكان هناك ملك جبار يأخذ كل سفينة صالحة من أهلها ظلمًا وعدوانًا،
وأنه أراد أن يعيبها بكسر أحد الألواح حتى لا يأخذها ذلك الطاغية، لأنه لا
يأخذ السفن التالفة.
وأن الغلام الذي قتله كان أبواه مؤمنين، وكان هذا الغلام كافرًا، فرأى أن
قتله فيه رحمة بأبويه وحفاظًا على إيمانهما حتى لا يتابعانه على دينه، وعسى
الله أن يرزقهما غلامًا غيره خيرًا منه دينًا وخلقًا وأكثر منه برًا.
وأن الجدار كان مملوكًا لغلامين يتيمين وكان أبوهما صالحا، وكان تحت الجدار
كنز من الذهب، ولو تركه حتى يسقط لظهر هذا الكنز، ولم يستطع الغلامان
لضعفهما أن يحافظا عليه، لذلك أصلح الجدار لهما حتى يكبرا ويأخذا كنزهما
بسبب صلاح أبيهما فإن صلاح الآباء تصل بركته إلى الأبناء.
قصة بقرة بني إسرائيل:
حدث في حياة نبي الله موسى أمور عجيبة وغريبة، منها هذه القصة التي تدور
أحداثها حول مقتل رجل من بني إسرائيل، لا يعلمون قاتله، وقد بحثوا كثيرًا
فلم يعرفوه، فلما ملوا من البحث تذكروا أن بينهم نبي الله موسى، فذهب بعض
الناس إليه وطلبوا منه أن يدعوا ربه لمعرفة ذلك القاتل، فدعا موسى ربه أن
يكشف هذا السر، فأوحى الله إليه أن يأمر القوم بذبح بقرة، ويأخذوا جزءًا
منها يضربون به القتيل فيحييه الله، ويخبرهم بمن قتله، ولما جاء القوم
أخبرهم موسى بأن الله يأمرهم أن يذبحوا بقرة، فتعجب القوم من قوله، وظنوا
أنه يسخر منهم ويستهزأ بهم، ولم يسارع بنو إسرائيل بتنفيذ أمر الله، وإنما
أخذوا يسألون موسى عن أوصاف البقرة ويجادلونه، وطلبوا منه أن يبين لهم بعض
أوصافهم.
فأمرهم الله أن يذبحوا بقرة ليست بكراً، وليست كبيرة قد ولدت كثيرًا، إنما
بقرة قوية قد ولدت مرة أو مرتين، وهي أقوى ما تكون من البقر وأحسنه، ولكنهم
لم يفعلوا، وطلبوا من موسى أن يبين لهم ما لونها.
فأخبرهم موسى أن الله يأمرهم بذبح بقرة صفراء فاقع لونها، ولكنهم لم
يفعلوا، وطلبوا من موسى أن يزيدهم من أوصاف البقرة، فقد تشابه عليهم البقر.
فشددوا بذلك على أنفسهم فشدد الله عليهم، وأمرهم بذبح بقرة وحشية لم تحرث
أرضًا، ولم تسق زرعًا، خالية من العيوب.
فخرجوا يبحثون عن البقرة المطلوبة حتى وجدوها، فاشتروها، ثم ذبحوها، وأتوا
بها إلى موسى وانتظروا حتى يروا ما سيقوله لهم، وما سيفعله أمامهم، فتقدم
موسى من البقرة، وأخذ جزءًا منها، وضرب به المقتول، وفجأة تحرك القتيل حيث
رد الله إليه روحه، وأعاد إليه الحياة كما كان، فأخبر عن القاتل ثم مات مرة
أخرى. فكانت هذه معجزة عظيمة من الله ليؤكد بها صدق نبيه موسى.
قصة قارون مع موسى:
كان قارون من قوم موسى، وكان غنيًّا، ملأت أمواله وكنوزه خزائن كثيرة، فكان
لا يستطيع حمل مفاتيح تلك الخزائن إلا جماعة من الرجال الأقوياء لكثرتها.
وعصى قارون موسى وهارون ولم يقبل حكمها ونصيحتهما، وظن أن النعم التي
أنعمها الله عليه ما جاءت إليه إلا لأنه أحق بها وأنه قد اكتسبها بعلمه.
وذات يوم، خرج قارون إلى المدينة وهو في زينة عظيمة وموكب كبير، لابسًا
أحلى ما عنده من الثياب الزينة، ولما مرَّ على الناس اقترب منه بعضهم
وأرادوا نصحه وموعظته،
فقالوا له:
(لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين.
وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك ن الدنيا وأحسن كما أحسن
الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين)
[القصص: 76-77].
فرد عليهم قارون بتكبر، وذكر لهم أنه جمع هذا المال بذكائه ومقدرته.
وافتتن بعض الناس الذين يريدون الحياة الدنيا بملابس قارون وزينته حين خرج
إليهم، فتمنوا أن يكون لهم مثل ما أوتي قارون، فذكرهم الصالحون بثواب الله
وقالوا لهم:
(ثواب الله خير لمن آمن وعمل
صالحًا)
[القصص: 80].
ولما زاد تكبر قارون واستعلاؤه دعا عليه موسى، فاستجاب الله له، وخسف به
وبداره وبكنوزه الأرض، وأهلك أهله، ولم يجد أحدًا ينصره أو يدافع عنه، فندم
الذين تمنوا أن يكونوا مثله،
وقالوا:
(ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من
عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون)
[القصص: 82].
وفاة موسى:
لما حان وقت وفاة نبي الله موسى أرسل الله إليه ملك الموت-عليه السلام-،
فقال له:
أجب ربك. فضربه موسى على عينه ففقأها،
فرجع ملك الموت إلى الله،
وقال له:
أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت.
فقال له الله-عز وجل-:
ارجع إليه فقل له يضع يده
على متن (ظهر ثور)، فله
بما غطت يده بكل شعرة سنة، فرجع إليه الملك وأخبره بذلك،
فقال موسى:
أي رب، ثم ماذا؟
فقال الله-عز وجل-:
ثم الموت،
فقال موسى:
فالآن.
ثم
طلب موسى من الله-عز وجل-أن يقربه من الأرض المقدسة، فتوفى موسى قريبًا من
بيت المقدس في الأرض المباركة في فلسطين.
[متفق عليه]
وروي أن الملائكة هي التي تولت دفنه
والصلاة عليه وقد عاش مائة وعشرين سنة.
القصه الثامنه عشر
[center]داود(عليه السلام)
دخل بنو إسرائيل الأرض المقدسة (فلسطين)
واستقروا بها، وكان ذلك على يد يوشع بن نون، وصاروا
يعبدون الله على المنهج الذي جاء به موسى، وبعد مدة عادوا إلى طبائعهم
الفاسدة مرة أخرى، فكفروا بأنعم الله، وانحرفوا عن الطريق المستقيم فسلَّط
الله عليهم ملكًا جبارًا اسمه جالوت فقتل رجالهم، وسبى نساءهم وأطفالهم،
وأخرجهم من بيوتهم، وأخذ منهم التابوت المقدس وبه الألواح الخاصة بالتوراة،
وعصا موسى وبعض الأشياء الخاصة بهارون.
وأراد بنو
إسرائيل قتال جالوت وجنوده، ولم يكن لهم في هذه الفترة ملك يوحد صفوفهم
لقتال هذا الملك الجبار، وكان من بينهم آنذاك نبي من أنبياء الله فذهبوا
إليه وأخبروه أنهم يريدون ملكًا عليهم لمحاربة جالوت، فتعجب نبيهم من هذا
الطلب، وذكرهم من أنه يخشى إن فرض عليهم القتال أن يرفضوا القتال، ولكنهم
أكدوا له عزمهم على القتال، فقد طردوا من بيوتهم، وابتعدوا عن أبنائهم،
فأوحى الله إلى نبيهم أن يخبرهم أن الله قد بعث لكم طالوت ملكًا، فلما
أخبرهم بذلك تعجبوا، وغضبوا من هذا الاختيار، حيث كان الكثير منهم خاصة
الأغنياء يطمع أن يكون هو الملك الذي يوحد الصفوف لقتال جالوت، وتكون له
الهيمنة والسلطان، ويحظى بشرف الحكم والقيادة، ومن أجل ذلك اعترض الكثير
منهم على اختيار طالوت ليتولى الـمُلك من بينهم..
فأخبرهم
نبيهم أن هذا اختيار الله، وأنه -سبحانه- قد أعطى طالوت قوة في الجسم، وسعة
في العلم، وأن علامة ملك طالوت أن تأتيه الملائكة بالتابوت الذي كان قد
أخذه جالوت من قبل، وفي لحظات كانت الملائكة قد أتت بالصندوق ووضعته أمام
طالوت، فلما رأى بنو إسرائيل ذلك رضوا به، ووافقوا على حكمه لهم، ثم أوحى
الله لنبي بني إسرائيل أن يخبرهم بأن الله يأمرهم بالخروج مع طالوت لقتال
عدوهم الذي أذلهم، وأسر وسبى أبناءهم.
ولكنهم
امتنعوا عن القتال إلا قليلاً منهم تشجعوا، واستعدوا للقتال، فساروا مع
طالوت للقاء جالوت الجبار وجنوده، وبهذه القلة التى آمنت، خرج طالوت وسار
في طريق صحراوى ليس فيه ماء، فاشتكى بنو إسرائيل من الظمأ والعطش فطمأنهم
ملكهم طالوت وطلب منهم الصبر ومواصلة السير، وبعد لحظات اقترب طالوت وجنوده
من نهر من الأنهار، فقال لهم طالوت مبينًا أنهم سيمرون على نهر فمن شرب
منه بكثرة، فقد خرج عن طاعته إلا من اغترف غرفة بيده يروى بها ظمأه، ومن
خالف هذا الأمر فعليه أن يترك الجيش ويرجع من حيث جاء، فلما وصل طالوت وبنو
إسرائيل إلى النهر، لم يستجب أكثرهم لما أمرهم به الملك طالوت، فشربوا من
النهر حتى امتلأت بطونهم إلا قليلاً منهم.
فأمر
طالوت كل من شرب من النهر حتى شبع أن يترك الجيش ويعتزل الباقين، ثم واصل
سيره بالبقية الباقية من بني إسرائيل، وعبر النهر ليلتقي مع جيش جالوت وحتى
هذه القلة التى ثبتت تراجع بعضهم وأصابهم الخوف عندما رأوا كثرة جنود
جالوت، ولم يصبر معه إلا المؤمنون الصادقون الذين يعلمون أن الله ينصر
المؤمنين بقوة إيمانهم لا بكثرة عددهم، ولما ظهر جالوت وجنوده أمامهم،
واقترب منهم دعوا الله
فقالوا:
{ربنا افرغ علينا صبرًا وثبت أقدامنا وانصرنا علي الكافرين}
[البقرة:250].
وفي الميدان المخصص للقتال وقف جالوت وجنوده
في ناحية، وطالوت وبنو إسرائيل في ناحية أخرى، ثم تقدم جالوت على حصانه،
مسلحًا بكافة الدروع ونادى بأعلى صوته،
هل من
مبارز
؟
هل من مقاتل
؟
وكان في جيش طالوت جندي عظيم، هو نبي الله داود، والذي يرجع نسبه إلى
إبراهيم -عليه السلام- فخرج من بين الصفوف ليبارز جالوت الجبار بعد أن
امتنع جميع بني إسرائيل عن الخروج إليه، فضرب داود جالوت بحجارة عن طريق
مقلاعه، فوقع قتيلاً، ففر الجيش هاربًا، وانتصرت القلة المؤمنة بحول الله
وقوته على الكثرة الكافرة المشركة.
وانتهت المعركة، وبدأ عهد نبي
جديد وملك جديد،
قال تعالى:
{فهزموهم بإذن الله وقتل داود
جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه ممايشاء}
[البقرة:251].؟
وجمع الله لداود الملك والنبوة، فكان ملكًا نبيًّا، وأنزل عليه
الزبور، وهو كتاب مقدس فيه كثير من المواعظ والحكم،
قال تعالى:
{وآتينا داود زبورًا}
[النساء:163]
وأعطى الله لداود صوتًا جميلاً لم يعطه لأحد من قبله، فكان إذا قرأ كتابه
الزبور، وسبح الله، وقف الطير في الهواء يسبح الله معه، وينصت لما يقرؤه
وكذلك الجبال فإنها كانت تسبح معه في الصباح والمساء،
قال تعالى:
{إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي
والإشراق . والطير محشورة كل له أواب} [ص:18-19]
وأيد الله داود بمعجزات كثيرة دالة على نبوته، فألان له الحديد، حتى يسهل
عليه صنع الدروع والمحاريب التى تستخدم في الحروب والقتال.
وأراد الله -سبحانه- أن يعلم
داود درسًا في العدل حين يحكم، فبينما كان يجلس في محرابه يصلى ويتعبد،
فوجئ باثنين من الرجال يصعدان على سور محرابه حتى وصلا إليه، فدخلا عليه،
فخاف منهما وفزع، فقال الرجلان: يا داود
لا تخف، خصمان بغى بعضنا على
بعض فجئنا لتحكم بيننا بالحق، فسألهم داود عن قضيتهم، فقال أحد الخصمين: إن
هذا أخى له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة، فأراد أن يأخذها مني ليكمل
المائة، فتسرع داود في الحكم لهذه القضية قبل أن يسمع كلام الآخر،
فقال:
{لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلي نعاجه وإن
كثيرًا من الخلطاء ليبغي بعضهم علي بعض إلا الذين آمنواوعملوا
الصالحات}
[ص: 42]
وما إن أكمل داود حكمه حتى اختفي هذان الرجلان فجأة دون أن يخرجا من الباب
أو يعودا كما جاءا، فأدرك داود أن هذين ملكان أرسلهما الله ليعلماه أن يسمع
من الخصمين قبل أن يحكم بينهما، فاستغفر داود ربه.
وكان داود يتقرب إلى الله
بالذكر والدعاء والصلاة، لذلك مدحه الله
بقوله تعالى:
{واذكر عبدنا داود ذي الأيدِ إنه
أواب }
[ص:17]
وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
يقول عنه:
(كان أعبد البشر)
[البخارى]
وقال
صلى الله عليه وسلم-:
(أحب الصيام إلى الله
صيام داود، كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود،
كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه)
[متفق عليه].
وكان داود
لا يأكل إلا من عمل يده، لأنه يعلم أن أفضل الكسب هو ما يكسبه الإنسان من
صنع يده،
قال
صلى الله عليه وسلم-:
(ما أكل أحد
طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود -عليه السلام-
كان يأكل من عمل يده)
[البخارى]
وقد مات داود -عليه الصلاة والسلام- وتولى من بعده ابنه سليمان -عليه
السلام- الحكم وجعله الله نبيًّا،
قال تعالى:
{وورث سليمان داود}
[النمل]
[center]القصه التاسعة عشر
[center]سليمان(عليه السلام)
نبي من أنبياء الله،
أرسله الله إلى بني إسرائيل، وتولَّى الملك بعد وفاة والده داود -عليهما السلام- وكان حاكمًا عادلاً بين الناس، يقضي
بينهم بما أنزل الله، وسخر الله له أشياء
كثيرة: كالإنس والجن والطير والرياح... وغير ذلك، يعملون له ما يشاء بإذن
ربه، ولا يخرجون عن طاعته، وإن خرج منهم أحدٌ وعصاه ولم ينفذ أمره عذبه
عذابًا شديدًا، وألان له النحاس، وسخر الله له الشياطين، يأتون له بكل شىء
يطلبه، ويعملون له المحاريب والتماثيل والأحواض التى ينبع منها الماء.
قال
تعالى:
{ولسليمان الريح
غدوها شهرًا ورواحها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل
بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير . يعملون له
ما يشاء من محاريب وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داوود شكرًا
وقليل من عبادي الشكور}
[سبأ:12-13]
وعلم الله -سبحانه-
سليمان لغة الطيور والحيوانات، وكان له جيش عظيم قوى يتكون من البشر والجن
والطير،
قال تعالى:
{وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس
والطير فهم يوزعون}
[النحل:17]
.
وكان سليمان دائم الذكر والشكر لله على هذه النعم، كثير
الصلوات والتسابيح والاستغفار، وقد منح الله عز وجل سليمان -عليه السلام-
الذكاء منذ صباه، فذات يوم ذهب كعادته مع أبيه
داود -عليه السلام- إلى دار القضاء فدخل اثنان من الرجال، أحدهما كان صاحب
أرض فيها زرع، والآخر كان راعيًا للغنم، وذلك للفصل في قضيتهما، فقال صاحب
الأرض: إن هذا الرجل له غنم ترعى فدخلت أرضى ليلاً، وأفسدت ما فيها من زرع،
فاحكم بيننا بالعدل، ولم يحكم داود في هذه
القضية حتى سمع حجة الآخر، عندها تأكد من صدق ما قاله صاحب الأرض، فحكم له
بأن يأخذ الغنم مقابل الخسائر التى لحقت بحديقته، لكن سليمان -عليه السلام-
رغم صغر سنه، كان له حكم آخر، فاستأذن من أبيه
أن يعرضه، فأذن له، فحكم سليمان بأن يأخذ صاحب الغنم الأرض ليصلحها، ويأخذ
صاحب الأرض الغنم لينتفع بلبنها وصوفها، فإذا ما انتهي صاحب الغنم من
إصلاح الأرض أخذ غنمه، وأخذ صاحب الحديقة حديقته. وكان هذا الحكم هو الحكم الصحيح والرأي الأفضل، فوافقوا على
ذلك الحكم وقبلوه بارتياح، وأعجب داود -عليه السلام- بفهم ابنه سليمان لهذه
القضية مع كونه صغيرًا، ووافق على حكم ابنه، وقد حكى الله -عز وجل- ذلك في
القرآن
قال تعالى:
{وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم
القوم وكنا لحكمهم شاهدين . ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكمًا وعلمًا
وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين}
[الأنبياء:78-79].
وذات
يوم كان سليمان يسير مع جنوده من الجن والإنس، ومن فوقه الطير يظله فسمع
صوت نملة
تقول لزميلاتها:
{يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان
وجنوده وهم لا يشعرون}
[النمل:18]
فتبسَّم سليمان من قول
هذه النملة، ورفع يده إلى السماء داعيًا ربه شاكرًا له على هذه النعمة
قال:
{رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليَّ وعلى والدي
وأن أعمل صالحًا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين}
[النمل:19].
ومَّرت
الأيام، وبينما كان سليمان -عليه السلام- يسير وسط جنوده ويتفقد مواقعهم،
نظر ناحية الطير، فلم يجد الهدهد بين الطيور، وكان الهدهد حين ذاك قد ترك
مكانه دون أن يعلم سليمان، فغضب منه سليمان غضبًا عظيمًا،
وقال
{لأعذبنه عذابًا شديدًا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان
مبين}
[النمل:21]
وغاب الهدهد فترة من
الزمن، ولما عاد أخبرته الطيور بسؤال سليمان عليه، فذهب الهدهد على الفور
إلى سليمان،
وقال له:
{أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ
بنبأ يقين . إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم وجدتها
وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل
فهم لا يهتدون}
[النمل:22-24].
لقد وجد
الهدهد قوم سبأ يسجدون للشمس ويعبدونها من دون الله، فحزن لذلك، فلم يكن
يتصور أن أحدًا يسجد لغير الله، فأراد سليمان أن يتأكد من صدق الهدهد، فكتب
رسالة موجزة يدعو فيها الملكة وقومها إلى الإسلام والإيمان بالله -عز وجل-
وترك ما هم عليه من عبادة الشمس، وأعطاها للهدهد، ليذهب بها إلى مملكة سبأ
ثم ينتظر منهم الجواب، فأخذ الهدهد كتاب سليمان، وطار به إلى مملكة سبأ،
ثم دخل حجرة الملكة دون أن يشعر به أحد، فألقى عليها الرسالة ثم وقف بعيدًا
عنها، يراقبها ويراقب قومها ماذا سيفعلون حينما يقرءون هذه الرسالة.
أخذت الملكة الرسالة، وقرأت ما فيها، فأعجبت بها،
لكنها امتنعت عن أخذ أى قرار في شأن هذه الرسالة حتى تشاور كبار القوم من
الأمراء والوزراء، فدعتهم للحضور، وأخبرتهم بما في هذه الرسالة، وطلبت منهم
المشورة في الأمر، فاقترحوا عليها محاربة سليمان، فهم أصحاب قوة، لكن
الملكة لم تقبل مبدأ الحرب والقتال لأنها استشعرت قوة سليمان، واقترحت على
قومها أن تبعث إليه بهدية تليق بمكانته، وتنتظر رده، فلعله يقبل ذلك، أو
يفرض عليهم جزية، ويترك محاربتهم. وبعد أيام وصل رسل الملكة ومعهم الهدايا العظيمة والكنوز
الرائعة، ودخلوا على سليمان ووضعوا الهدايا العظيمة أمامه، فأعرض عنها
سليمان -عليه السلام- ولم يقبلها منهم، وقال لهم:
{أتمدوننِ بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم
بهديتكم تفرحون}
[النمل:36]
ثم توعدهم إن لم يسلموا
سيأتى إليهم بجنود لا طاقة لهم بردِّها والوقوف أمامها؛ لمحاربتهم وخروجهم
من بيوتهم، ولما عاد رسل الملكة ذهبوا إليها، وأخبروها بما حدث بينهم وبين
سليمان، وحدثوا عما رأوا من قوته وبأسه وما سخره الله له، فجمعت الملكة
بلقيس كبار رجال دولتها من الوزراء والأمراء لتستشيرهم في أمر سليمان،
فرأوا أن يذهبوا جميعًا إليه مستسلمين، وكان هذا هو رأي الملكة أيضًا،
وعندها رفعت حالة الطوارئ للجميع استعدادًا للذهاب إلى سليمان.
وعلم سليمان بمجيء بلقيس ملكة سبأ وقومها إليه للإسلام
والإيمان، لذا أراد أن يريها آية من آيات الله العليم القدير، لتعرف أنه
مرسل من ربه، فطلب سليمان من أعوانه أن يأتوه بعرشها قبل أن تصل إليه،
فأخبره عفريت من الجن أنه يستطيع أن يأتى بالعرش قبل أن يقوم من مجلسه،
وأخبره رجل آخر عنده علم من الكتاب أنه يستطيع أن يأتى بالعرش قبل أن يرتد
إليه طرف عينه، فأذن سليمان لهذا العبد الصالح الذي عنده علم من الكتاب
بإحضار العرش، وفي لحظات كان عرش بلقيس أمام سليمان، فذكر سليمان نعمة الله
عليه، وفضله بأن جعل من جنوده من هو قادر على إحضار عرش بلقيس من اليمن
إلى الشام في طرفة عين،
فقال:
{هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما
يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم}
[النمل:40].
وقد أمر سليمان الجن أن يبنوا له قصرًا عظيمًا، حتى يستقبل
فيه ملكة سبأ، وأشار عليهم أن تكون أرضية هذا القصر من زجاج شديد الصلابة
والشفافية، تمر المياه من تحته، ثم يضعوا عرشها فيه بعد إدخال بعض التغيرات
عليه لمعرفة هل ستهتدي الملكة أم لا؟ ومرت الأيام، وشاع خبر وصول الملكة
وقومها، فخرج سليمان لاستقبالها، ثم عاد بها إلى القصر الذي أعده لها، وعند
دخول ملكة سبأ هذا القصر، وقع نظرها على العرش، فأشار سليمان إليه، وقال
لها: أهكذا عرشك؟ فقالت في دهشة واستغراب مستبعدة أن يكون الذي أمامها هو
عرشها، حيث تركته هناك بأرض اليمن: كأنه هو !! فلما أقبلت بلقيس لدخول القصر، رأت أمامها الماء، ولم تر
الزجاج، فكشفت عن ساقيها خوفًا من أن يبتل ثوبها، فأخبرها سليمان أن أرضية
القصر مصنوعة من زجاج، فلما رأت الملكة هذه الآيات، أعلنت إسلامها،
وقالت:
{رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين}
[النمل:
44]
وقد
ابتلى الله سليمان -عليه السلام- بمرض شديد حار فيه أطباء الإنس والجن،
وجاءوا إليه بأدوية من كل نوع، لكنه لم يكتب له الشفاء، بل كان المرض يزداد
عليه ويشتد يومًا عن آخر، وكان إذا جلس على كرسيه جلس عليه كأنه جسد
بلا روح، واستمر المرض مع سليمان مدة طويلة من الزمن، فلم
يجزع منه ولم ييأس، بل كلما كان يشتد مرضه، يزداد ذكره لله، داعيًا
ومستغفرًا له، طالبًا منه الشفاء، حتى استجاب الله له، وعادت إليه صحته،
فأدرك سليمان أن مجده وملكه وعظمته لا تضمن له الشفاء إلا إذا أراد الله.
وقد أراد سليمان -عليه السلام- أن يبني بيتًا كبيرًا
يُعْبد الله فيه، فكلف الجن بعمل هذا البيت، فاستجابوا له، لأنهم مسخرون له
بأمر الله، فكانوا لا يعصون له أمرًا، وكان من عادة سليمان أن يقف أمام
الجن وهم يعملون، حتى لا يتكاسلوا وبينما هو واقف يراقبهم وهو متكئ على
عصاه مات دون أن تعلم الجن، وكانوا ينظرون إليه وهو على هذه الحال، فيظنون
أنه يصلي ويذكر الله، فيواصلون البناء دون انقطاع حتى انتهوا من بناء البيت
المطلوب، ولم يعرفوا أنه مات إلا بعد أن جاءت الأرضة فأكلت العصا، ووقع
نبي الله سليمان على الأرض. فأسرع الجن والإنس
إليه فوجدوه ميتًا، وأدرك الجن أنه مات من فترة طويلة، ولو كانوا يعلمون
ذلك لما استمروا في حمل الحجارة وبناء البيت،
قال تعالى:
{فلما
قضينا عليه الموت ما دلهم عليه إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت
الجن إن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبسوا في العذاب المهين}
[سبأ:14]
وادعى بعض اليهود أن
سليمان كان ساحرًا، ويسخر كل الكائنات بسحره، فنفي الله عنه ذلك في
قوله تعالى:
{واتبعوا ما تتلوا الشياطين علي ملك سليمان وما كفر
سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر}
[البقرة:102]
وقد أثنى الله على
سليمان بكثرة العبادة والتضرع لله،
فقال تعالى:
{ووهبنا
لداود سليمان نعم العبد إنه أواب}
[ص:30].
القصه العشرين
[center]إلياس (عليه السلام)
في منطقة تسمى بعلبك (موجودة حاليًا في لبنان) كان يعيش مجموعة من
بني إسرائيل، أغواهم الشيطان
فانحرفوا عن منهج الله، وساروا يعبدون
صنمًا يقال له (بعل) فأرسل
الله -عز وجل- إليهم نبيًّا منهم هو
إلياس (عليه السلام).
أخذ إلياس يدعو قومه إلى
عبادة الله عز وجل، فآمنت به طائفة من قومه وأصبحوا من الموحدين المخلصين،
وكذَّبت به طائفة أخرى وخالفوه، فكانت نهايتهم العذاب الأليم، وقد سجل
القرآن الكريم قصة إلياس -عليه السلام- مع قومه،
فقال تعالى:
{وإن إلياس لمن المرسلين . إذ
قال لقومه ألا تتقون . أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين . الله ربكم ورب
آبائكم الأولين . فكذبوه فإنهم لمحضرون . إلا عباد الله المخلصين . وتركنا
عليه في الآخرين . سلام علي أل ياسين . إنا كذلك نجزي المحسنين . إنه من
عبادنا المؤمنين}
[الصافات: 123-132].
وقد مدح الله -سبحانه- إلياس
-عليه السلام- وأثنى عليه ثناءً جميلاً، وذلك لأنه أخلص في العبادة، وأحسن
في عمله،
قال تعالى:
{وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من
الصالحين}
[الأنعام: 85].
الثلاثاء يناير 30, 2018 12:24 pm من طرف أبويحيى
» كتاب:موسوعة ألف اختراع واختراع - التراث الإسلامي في عالمنا المؤلف :البروفيسور سليم الحسني
الأربعاء يناير 24, 2018 10:03 pm من طرف أبويحيى
» أخبار برشلونى اليوم
الأربعاء يناير 24, 2018 9:48 pm من طرف أبويحيى
» روابط مشاهدة جميع المباريات بدون تقطيع
الأربعاء يناير 24, 2018 9:44 pm من طرف أبويحيى
» منج الفلسفة والمنطق لعام 2016 الجديد
الأحد سبتمبر 13, 2015 8:38 pm من طرف أبويحيى
» مذكرة الصف الأول الثانوى الجديد لعام 2015
الأربعاء مارس 18, 2015 8:00 pm من طرف أبويحيى
» تحميل لعبة كرة القدم pes 2015 مجانا ً وبروابط مباشرة
السبت يناير 24, 2015 11:59 am من طرف أبويحيى
» اقوى مذكرة ادب وورد للصف الاول الثانوى مدعمة بتدريبات الاسئلة بمواصفات جديدة لواضع الاسئلة 2014
الإثنين أكتوبر 20, 2014 12:06 am من طرف أبويحيى
» مذكرة الاستاذ عبدة الجعر مراجعة قصة ابو الفوارس فصل فصل شامل كل الاسئلة الامتحانية بمواصفات 2014
الإثنين أكتوبر 20, 2014 12:04 am من طرف أبويحيى